صباح الأربعاء الماضي، أدى انفجار سيارة مفخّخة إلى انهيار جسر يربط الأردن بالعراق، على الطريق الدولي السريع في منطقة الرطبة العراقية الحدودية. الانفجار العنيف أدى إلى سقوط ضحايا من رجال الأمن وسائقي الشاحنات. ورغم أن البشر، دائماً، أغلى؛ فإن رمزية نسف الجسر الأردني ــــ العراقي، تبعث على أسى مضاعف، بقدر ما تكثّف اللحظة التراجيدية التي يعيشها الأردن الذي يبدو، في ضياعه الاستراتيجي، وكأنه سائر، رغم كل التحذيرات، إلى مصير محتوم.
الإرهابيون الذين نسفوا جسر الكونكريت على أوتوستراد التواصل الإنساني والاقتصادي بين عمان وبغداد، ينتمون إلى المجموعات التكفيرية الإرهابية ذاتها التي يموّلها الأمير المتوّج لكل فروع «القاعدة» في المشرق، بندر بن سلطان، ويمنحها حرية تصميم وتنفيذ تفجيرات القتل الجماعي المنتظمة للبشر المسالمين الذين يدفعون ثمن ولادتهم في عائلات على مذهب ديني آخر، إنما نسف جسر الرطبة، لم يكن بالمصادفة؛ فمن الواضح أن أمر العمليات الأميري بتنفيذه، هدفاً وتوقيتاً ومغزى، يبعث برسالة قاطعة إلى الأردنيين: ممنوع عليكم التواصل، ليس فقط مع سوريا وإيران وحزب الله، بل، أيضاً، مع البوابة العراقية التي تظنون أنه مسموح بها!
هل تقرر تفجير جسر الرطبة، كإشارة ضغط على عمان التي تحاول ــــ من دون أن تتخلى عن الحلف الثلاثي مع السعودية والإمارات ــــ أن تتوافق مع المجرى العام للتسويات الأميركية ــــ الروسية والإيرانية؟ هل هي، بعبارة أخرى، تحذير للأردنيين بالكفّ عن اللعبة المزدوجة إزاء الأزمة السورية؟ هل يقول أمير الإرهاب السعودي للملك الأردني: معنا أو ضدّنا؟
كل ذلك وارد، إنما المسألة أعقد وأكبر من هذه اليوميات؛ فالأردن الذي يعدّ، بلهفة، الأشهر والأيام التي تفصله عن إنجاز أنبوب نفط البصرة ــــ العقبة، سيفهم من تفجير جسر الرطبة، بأن المشروع ليس سالكاً، وأن الاعتراض السعودي ليس مجرد اعتراض دبلوماسي، وإنما يكشّر عن أنيابه الإرهابية منذ الآن: لن نسمح بانسياب النفط في أنبوب تجديد التحالف الأردني العراقي، ورجالنا جاهزون وقادرون على نسفه كل يوم عشر مرات!
يشكّل أنبوب نفط البصرة ــــ العقبة، حلاً فعالاً وقريباً لثلاثة تحديات أساسية يواجهها الاقتصاد الأردني، هي (1) تحدي العجز المالي السنوي المقدّر بثلاثة مليارات دولار، ستتكفل عائدات صادرات النفط العراقي عبر الأردن بإغلاقه، (2) تحدي ارتفاع كلفة الطاقة (المحروقات والكهرباء). وهو تحد كبير لمجمل العملية الاقتصادية وفرص الاستثمار والتشغيل في البلاد. وتتضمن اتفاقية أنبوب البصرة ــــ العقبة، تزويد الأردن بنفط عراقي بأسعار تفضيلية، يخفّضها، أيضا، حذف كلفة النقل بالشاحنات، (3) تحدي الانكماش الصناعي باستعادة السوق العراقية.
كل هذه الآمال العراض، تنسفها سيارة مفخخة تحت جسر الرطبة. هكذا، فإن على عمان أن تدرك أن الموافقة الأميركية والرضا الإيراني على اتمام مشروع أنبوب نفط البصرة ــــ العقبة، ليسا كافيين لنجاحه؛ فالإرهاب السعودي يمكنه تحويل ذلك الأنبوب، والأموال والجهود المستثمرة في إنشائه، مجرّد خردة!
المجموعات التكفيرية الإرهابية المدعومة من قبل السعودية (وقطر وتركيا) تعمل في غرب العراق منذ سنوات. وهي لم تشارك المقاومة العراقية كفاحها البطولي ضد الغزاة الأميركيين، بينما ركّزت كل جهودها الإجرامية على تفجيرات القتل الجماعي على أساس طائفي (ضد المسيحيين) ومذهبي (ضد الشيعة)، وتستخدمها الرياض، بشكل خاص، لمنع نهوض العراق، وعودته للقيام بدوره الإقليمي الأساسي؛ فعلينا ألا ننسى أن العراق كان دائماً، ومنذ العشرينيات، محلاً للعداء السعودي والإرهاب الوهابي، ولطالما كانت الدولة الوطنية العراقية الحديثة، بتوجهاتها التنموية والقومية والمدنية، تشكل واحداً من التحديات الكبرى للمملكة السعودية الآتية من القرون الوسطى.
الإرهاب السعودي المستوطن في غربي العراق هو واقع سياسي إقليمي لا يواجه، للأسف، أي اعتراض أو تنديد، رغم أنه يحصد من أرواح العراقيين أكثر مما يحصده الإرهابيون في سوريا نفسها. وإذا كانت المصالح الأردنية في العراق، قد ظلت، لفترة طويلة، آمنة من الأعمال الإرهابية، فإن تفجير جسر الرطبة، يشكّل سابقة بالغة الخطورة، تؤكد، أولاً، التوجهات السعودية لرعاية إمارة تكفيرية إرهابية على المثلث السوري العراقي الأردني، هدفها التحكّم بالبلدان الثلاثة، وبالعلاقات في ما بينها، وثانياً، إغلاق البوابة العراقية أمام الأردن، وضرب طموحاته بالاستقلال المالي عن السعودية وسياساتها.
ستبتلع عمّان، أقلّه علناً، الرسالة الإرهابية السعودية، ثم أنها ستراجع الأميركيين بما حدث في الرطبة، ودلالته بالنسبة الى مشروع أنبوب نفط البصرة ــــ العقبة، ثم ستعيد التفكير، مرتين، في كيفية إدارة العلاقة مع الوحش السعودي الذي وقع في نوبة جنون.